فصل: مسألة يأتيه رجلان فيقول هذه الوديعة والله لا أدري من دفعها إلي منكما:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة يأتي إلى رجل يقول هات ثمن جاريتي هذه وقد ولدت منه:

ومن كتاب العرية:
وقال مالك في الرجل يأتي إلى رجل يقول هات ثمن جاريتي هذه، وقد ولدت منه؛ فيقول لا والله ما اشتريت منك، ولكن زوجتنيها؛ فيقول بل اشتريت مني؛ فقال: إن كان الذي ادعى التزويج ليس مثله ممن يتزوج إلاماء لشرفه وماله، لم يقبل قوله وكان عليه ثمنها؛ وإن كان مثله ممن يتزوج الإماء كان القول قوله، وقيل للذي ادعى بيعها أنت قد زعمت أنك قد بعت وقد جحدك ذلك، وقد ثبت لها عتق بشهادتك أنه اشتراها حين ولدت منه، فليس لك أن تأخذها وأنت شاهد في عتقها، وتزعم أنها أم ولد، فتقر في يديه يطؤها ويصنع بها ما شاء؛ لأنها في كلا الوجهين له حلال- إن كانت زوجته، كما يزعم، فهي له حلال، وإن كانت أم ولد- كما يزعم البائع، فهي حلال قلت له فلو لم تلد- وادعاها هذا، قال: يحلف بالله إنه صادق وينفسخ ما ادعى من النكاح، ويأخذ صاحب الجارية جاريته؛ وسئل عنها سحنون فقال: رب الجارية هاهنا مدعى عليه المال، فلزمه إقراره بأنها أم ولد بلا ملك له فيها، وولدها أحرار لاحقون بأبيهم، ولا يثبت له ما ادعى من المال، إلا أن يقيم البينة؛ قيل له فما يكون حال الجارية؟ قال تكون موقوفة حتى تموت وولدها أحرار، فإذا ماتت أخذ رب الجارية الثمن الذي ادعى من تركتها، إن تركت مالا، ويكون ما بقي له من المال، وإلا كان ما بقي موقوفا، قيل: فعلى من تكون نفقتها- إذا أوقفتها؟ قال تكون نفقتها على نفسها. وقال أصبغ مثله، قيل لأصبغ: أرأيت إن مات الذي ادعى أنه تزوج الأمة قبل الأمة، ما حال الأمة؟ قال تكون حرة؛ لأن السيد قد أقر أنها أم ولد لهذا الميت، قيل له فإن ماتت الأمة بعد ذلك وتركت مالا أيكون للسيد في مالها ثمنها؟ قال: لا يكون له في مالها شيء؛ لأنها ماتت وهي حرة، ومالها للورثة الذي أقر السيد أنه باعها منه.
قال محمد بن رشد: قول مالك إن كان الذي ادعى التزويج ليس مثله ممن يتزوج الإماء لشرفه وماله، لم يقبل قوله، وكان عليه ثمنها. معناه أنه يكون القول قول رب الجارية مع يمينه فيما ادعاه من أنه باعها منه بالثمن الذي ادعى أنه باعها به إذا كان الثمن الذي ادعى يشبه أن يباع به؛ لأنه أتى بما يشبه، وأتى الذي ادعى التزويج بما لا يشبه، فوجب أن يكون قول سيد الجارية؛ لأنه أتى بما يشبه على أصولهم في أن القول قول من أتى من المتداعيين بما يشبه، فإن لم يشبه قول رب الجارية فيما ادعاه من الثمن، حلفا جميعا وكان على الذي ادعى التزويج قيمة الجارية، يحلف رب الجارية أنه باعها منه بما ذكره من الثمن، ليحقق عليه الشراء، ويحلف هو أنه تزوجها وما اشتراها ليسقط عن نفسه ادعاء صاحبها من الزيادة على قيمتها، وقد قيل: إنه لا يصدق صاحب الجارية فيما ادعاه، من الثمن وإن أشبه، إذا كان ذلك أكثر من قيمتها، وهو الذي يأتي على قول غير ابن القاسم في كتاب الجعل والإجارة من المدونة، فيحلف على هذا صاحب الجارية أنه باعها منه بالثمن الذي ادعاه، ليحقق عليه الشراء، ويحلف المدعى عليه الشراء أنه ما اشتراها منه، وإنما زوجها إياه ليسقط عن نفسه يمين ما ادعاه من الثمن زائدا على قيمتها، وقوله وإن كان مثله ممن يتزوج الإماء، كان القول قوله، معناه في تكذيب رب الجارية فيما ادعاه من أنه باعها منه، لا في أنه زوجها منه؛ لأنه في ذلك مدع، فلا يصدق فيه، ولا يحلف عليه، وإنما يحلف أنه ما اشتراها منه، وإن زاد في يمينه ولقد زوجها منه، تحقيقا لدعواه عند من سمعه لم تثبت بذلك الزوجية بينهما، ألا ترى أنها إذا لم تلد، يحلف أنه صادق فيما ادعاه من أنه تزوجها وما اشتراها، ويحلف صاحبها لقد باعها منه وما زوجها إياه، فينفسخ النكاح والبيع، ويأخذ صاحب الجارية جاريته. فقول سحنون: إن الجارية إذا ولدت تكون موقوفة حتى تفوت، أظهر عندي من قول مالك إنها تقر بيد الذي ادعى أنه تزوجها، يطؤها ويصنع بها ما شاء؛ لأنها في كلا الوجهين له حلال إن كانت زوجته كما زعم فهي له حلال، وإن كانت أم ولد له كما زعم بالبائع فهي له حلال وإنما قلت أنه أظهر؛ لأن كل واحد منهما مدع على صاحبه، وقد أبطل صاحبه دعواه عنه بيمينه، فلم تثبت زوجة ولا أم ولد فوجب أن توقف كما قال سحنون، لقول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] وهذه لم تثبت زوجة ولا أم ولد، ولقد رأيت لابن دحون أنه قال: قول سحنون قول ضعيف؛ لأن الأمة لا تخلو عن أن تكون زوجة على ما ادعى الذي هي في يديه، أو تكون أم ولد على ما أقر به سيدها الذي كانت له، فهي مباحة لمن هي في يديه على كل حال، فإيقافها ومنعه من وطئها لا معنى له، ألا ترى أن رجلا لو قال كنت أولدت إيمائي كلهن، وتزوجتهن كلهن إلا واحدة وقد بقيت عندي منهن واحدة لا أدري هل هي زوجة أو أم ولد، لم يمنع من وطئها؛ لأنه حلال له على أي وجه كانت، هذا نص قول ابن دحون، وقوله- عندي- هو الضعيف، لا قول سحنون؛ لأن الشراء لم يصح ولا التزويج وقد انفسخا جميعا بيمين كل واحد منهما على تكذيب صاحبه، ولا يصح للحاكم أن يقر الجارية في يد الذي هي في يديه بما ادعاه من تزويجها، إذ لم يثبت ذلك عنده، وقد انفسخ بيمين سيدها: أنه ما زوجه إياها، ولا بما أقر به سيدها من أنه باعها منه، إذ لم يثبت ذلك عنده، وقد بطل بإنكار الذي هي في يده لذلك وحلفه عليه، وإنما يقال له: إن كنت صادقا أنك تزوجتها فوطؤها- لك حلال فيما بينك وبين خالقك، ولا يصلح للحاكم أن يقرها عنده ويبيح له وطأها، لاحتمال أن يكونا جميعا كاذبين لم يزوجها إياه، ولا باعها منه، والمسألة التي نظر بها ابن دحون، لا تشبهها؛ لأن الذي شك في المرأة، فلم يعلم إن كانت زوجته أو أم ولده، لا يشك في أنها تحل له؛ لأنها إن لم تكن زوجة، فهي أم ولد، وإن لم تكن أم ولد، فهي زوجة؛ والحاكم في مسألتنا يشك: هل تحل له الأمة أم لا، لاحتمال أن يكونا جميعا كاذبين، فيما ادعياه كما ذكرناه.
وقول سحنون: إن الولد أحرار، مفسر لقول مالك لا خلاف له. وقول سحنون: إن نفقتها على نفسها في حال الإيقاف، صحيح، فإن عجزت قيل لهما: أنفقا عليها، أو أعتقاها، ولا تكون موقوفة بغير مؤونة، وقوله: إنها إن ماتت أخذ رب الجارية الثمن الذي ادعى من تركتها- إن تركت مالا، صحيح لأن الذي كانت الجارية بيده يقر أن جميع تركتها له، لا حق له فيه، فله أن يأخذ من ذلك ما يدعي أن له قبله، والباقي يكون موقوفا؛ لأن كل واحد منهما يقر أنه لصاحبه، فمن كذب منهما نفسه أولا، ورجع إلى قول صاحبه أخذه، وقول أصبغ أنه إن مات الذي ادعى أنه تزوج الأمة قبل ذلك تكون حرة، صحيح لأن سيدها أقر أنها أم ولده، وكذلك قوله أنها إن ماتت بعد ذلك لا يكون للسيد في مالها ثمنها، صحيح أيضا؛ لأنها لما ماتت بعد موت الذي ادعى أنه تزوجها، ماتت حرة، ووجب ميراثها للعصبة الذين يرثون الولاء عنه بإقرار سيدها أنها أم ولد له، وهو لا حق له قبلهم، إنما كان حقه على دعواه قبل الميت الذي ادعى أنه باعها منه. وقول أصبغ لأنها ماتت وهي حرة، ومالها لورثة الذي أقر للسيد أنه باعها منه، معناه الذين يرثون الولاء عنه من الرجال، وبالله التوفيق.

.مسألة كانت الجارية في يديه قال اشتريتها وقال رب الجارية بل زوجتها:

قلت لسحنون: فلو أن الذي كانت الجارية في يديه قال اشتريتها وقال: رب الجارية بل زوجتها، فقال القول قول رب الجارية، وولدها رقيق، ويلحق نسبهم بالأب: لأن الذي الجارية في يديه قد أقر بها له وادعى الاشتراء، فلا يقبل قوله فيما ادعى، ولا يزيل ملكه منها بعدما أقر له بها إلا ببينة تثبت له. قال أصبغ عن ابن القاسم: يتحالفان ويتفاسخان، ولا تكون زوجة، ولا أم ولد، وترجع الأمة إلى سيدها، فإن المشتري يقر بأنه لا زوجة له، فهو كالمطلق ويدعي أنها أمته، ولا بينة له، فهي راجعة إلي ربها، وأما الولد، فإنه في الوجه الأول حر وتبع للأب ولا قيمة على الأب فيه، وفي الوجه الثاني، الذي قال: زوجتك- رقيق.
قال محمد بن رشد: هذه المسألة عكس المسألة التي قبلها فلا يقبل قول الذي الجارية في يديه أنه اشتراها؛ لأنه في ذلك مدع على صاحب الجارية، والقول قول رب الجارية أنه ما باعها منه، ولقد زوجها إياه ويكون له الولد رقيقا، ويلحق نسبهم بالأب، وينفسخ نكاح الأمة؛ لأنكاره تزويجها مع يمينه على ذلك، فترجع الأمة إلى سيدها ولا يلزمه فيها طلاق، وتكون إن تزوجها عنده على طلاق مبتدأ على ما قاله ابن القاسم في رواية أصبغ عنه من أنهما يتحالفان ويتفاسخان، فلا تكون زوجة ولا أم ولد، إذ ليس قوله بخلاف لقول سحنون. وقوله إنه كالمطلق- يريد أنه لا يصح له المقام عليها؛ لأنكاره نكاحها، ولو كان ما ادعى سيد الجارية من أنه زوجه إياها لا يشبه، لكونه ليس مثله ممن يتزوج الإماء في شرفه وحاله، لوجب أن يكون القول قوله فيما ادعاه من الشراء، ويكون ولده أحرارا على قياس ما قاله مالك في المسألة التي قبلها؛ وقول ابن القاسم: وأما الولد فإنه في الوجه الأول حر وتبع لأبيه، ولا قيمة على أبيه فيه- يريد المسألة الأولى التي ادعى صاحب الجارية أنه باعها منه، وبالله التوفيق.

.مسألة قال رجل لرجل ادفع إلي ثمن جاريتي هذه التي بعت منك:

. مسألة قال سحنون فلو قال رجل لرجل ادفع إلي ثمن جاريتي هذه التي بعت منك، قال الذي في يده الجارية استودعتنيها وما اشتريتها منك فتعديت عليها فوطئتها وأولدتها، فقال أرى رب الجارية مدعيا مالا ومقرا أنها أم ولد، هذا الذي هي في يديه فلا يقبل قوله فيما ادعى من المال إلا ببينة، ولا يصل إلى الجارية؛ لأنه أقر أنها أم ولد الذي هي في يديه، وأراها أم ولد الذي هي في يديه موقوفة، وأولاده منها أحرار؛ لأن رب الجارية قد أقر له بذلك، وتوقف الجارية، ولا يصل الذي هي في يديه إلى وطئها، فإن ماتت وتركت مالا، كان للذي ادعى أنه باعها أن يأخذ الثمن من مالها الذي ادعى قبل الذي في يديه الجارية، قيل: له ولمن يكون ما بقي من مالها؛ فقال يكون موقوفا، فإن ادعى الذي أولدها أنه كان اشتراها، وأنها أم ولده، كان له ما بقي من المال، وإن أقام على إنكاره كان موقوفا أبدا، قيل: فهل يكون على هذا الذي كانت في يديه وأقر أنه وطئها بالعداء الحد؛ قال نعم إن ثبت على إقراره، وفي سماع حسين بن عاصم عن ابن القاسم مثله.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة لا اختلاف في شيء من وجوهها، يبينها ما مضى من الكلام على أول مسألة من الرسم. وقوله فيها وأولاده، منها أحرار- يريد ولا يلحق نسبهم به؛ لأنه يحد لإقراره أنهم من زنى. وقوله فيها أيضا وأراها أم ولد للذي هي في يديه موقوفة، ليس على ظاهره، إذ لو كانت أم ولده لما وقفت، ولجاز له وطؤها وإنما معناه أنه يكون لها حكم أم ولده في أنها تعتق بموته، ويرثها- إن ماتت بعده- من يرث أولادها عنه من عصبته، وذلك كله بإقرار سيدها له بذلك، وإنما تكون له أم ولد إن رجع إلى تصديق سيدها فيما زعم من أنه باعها منه، فإن فعل ذلك كانت أم ولد له وحل له وطؤها وغرم الثمن ودرأ عنه الحد، إن كان لم يحد بعد ولحق به الولد، وبالله التوفيق.

.مسألة يشتري الدابة فيدعيها رجل في يديه فتوقف له:

قال عيسى وسئل ابن القاسم عن الرجل، يشتري الدابة فيدعيها رجل في يديه فتوقف له، على من يكون علفها؛ قال علفها على الذي تصير له، قيل فإنها ماتت قبل أن يقضى بها، ممن تكون مصيبتها؛ قال مالك في رجل ادعى دابة في يدي رجل فأقام عليها شاهدين فشهدا عند القاضي وعدلا، فلم يقض بها حتى ماتت، قال: مصيبتها من الذي ادعاها وأقام الشاهدين عليها، ويرجع مشتريها على بائعها بالثمن، قيل لابن القاسم: وكذلك لو أقام شاهدا واحدا وبقي له أن يحلف ثم يقضى له بها، فلم يحلف حتى ماتت، قال يحلف وتكون المصيبة أيضا منه، وإن كانت يمينه بعد موتها، قيل له: فإن كان ادعاها واستحقها وأقام البينة عليها بعد موتها، قال إذا كان إنما أقام البينة بعد موتها فاستحقها، فمصيبتها من الذي ماتت في يديه، ويرجع مستحقها على بائعها بالثمن أو القيمة- إن كانت أكثر من الثمن- إن كان هو غاصبا.
قال محمد بن رشد: قوله في نفقة الدابة الموقوفة في الاستحقاق، إنها على الذي تصير إليه هو مثل ما في المدونة، ومثل ما في رسم الشجرة تطعم بطنين في السنة من سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق، ولم يتكلم على من ينفق عليها في خلال التوقيف، والظاهر من قول مالك أن المدعى عليه ينفق في حال التوقيف، فإن قضى بها له، رجع عليه بالنفقة، وقد قيل أنهما ينفقان جميعا عليها، فمن قضي له بها منهما، رجع عليه صاحبه بنصف النفقة، وهو قول ابن القاسم في رسم إن خرجت بعد هذا من سماع عيسى، وفي المجموعة، وقوله في مصيبتها إن ماتت في حال التوقيف بعد إقامة البينة عليها، وقبل أن يقضى له بها أنها من الذي ادعاها، وأقام البينة عليها، ويرجع مشتريها على بائعها بالثمن، خلاف ما في المدونة من أن مصيبتها من الذي هي في يديه حتى يقضى بها للطالب، وقول مالك في هذه الرواية إن المصيبة من الذي أقام البينة عليها، أجري على القياس، وهو أن تكون من الذي عليه النفقة لأن القياس أن تكون النفقة والغلة تابعتين للضمان، وكذلك التوقيف أيضا هو تابع للضمان؛ وقد اختلف في الحد الذي يدخل به الشيء المستحق في ضمان المستحق، وتكون الغلة له، ويجب التوقيف به على ثلاثة أقوال، أحدها: أنه لا يدخل في ضمانه ولا تجب له الغلة حتى يقضى له به، وهو قول ابن القاسم في رسم حمل صبيا من سماع عيسى بعد هذا، والذي يأتي على قول مالك في المدونة إن الغلة للذي هي في يديه حتى يقضى بها للطالب، وعلى قول سحنون في نوازله من كتاب الغصب إن المصيبة من المشتري حتى يحكم به للمدعي، وعلى هذا القول لا يجب توقيف الأصل المستحق توقيفا يحال بينه وبينه، ولا توقيف غلته؛ وهو قول ابن القاسم في المدونة: إن الرباع التي لا تحول ولا تزول ولا توقف، مثل ما يحول ويزول وإنما يوقف وقفا يمنع من الإحداث فيها، والثاني: أنه يدخل في ضمانه وتكون الغلة له ويجب التوقيف وقفا يحال بينه وبينه إذا ثبت ذلك بشهادة شاهدين، أو شاهد وامرأتين، وهو قول مالك في رسم مرض من سماع ابن القاسم من كتاب الاستحقاق، وهو ظاهر قوله في موطئه إذ قال فيه: إن الغلة للمبتاع إلى يوم يثبت الحق، وقول غير ابن القاسم في المدونة، إذ قال فيها: إن التوقيف يجب إذا ثبت المدعي حقه وكلف المدعى عليه المدفع. والقول الثالث: أنه يدخل في ضمانه وتجب له الغلة والتوقيف بشهادة شاهد واحد وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية أنه يحلف مع شهادة شاهده وتكون المصيبة منه. إن كانت يمينه بعد موتها، فإن قيل: كيف يحلف وتكون المصيبة منه، ويستحق المستحق منه بيمينه- الرجوع على بائعه بالثمن، قيل: إنما يحلف؛ لأنه إن نكل عن اليمين على هذه الرواية يحلف المستحق منه الذي مات العبد عنده أنه لا حق للقائم فيه، ولقد ادعى باطلا، فيرجع عليه بقيمته؛ لأنه أحق عليه بيمينه العداء في توقيفه عليه بغير حق، ويؤيد هذا ما وقع في رسم حمل صبيا من سماع عيسى من كتاب الاستحقاق، وقد مضى الكلام عليه هناك، ويؤيده أيضا قول أشهب في نوازل سحنون من كتاب الرهون، فليست يمين المستحق على هذه الرواية ليستحق غيره وهو المستحق منه الرجوع على بائعه بالثمن، وإنما هي لينفي عن نفسه العداء في التوقيف الذي يدعيه عليه المستحق منه، فإن نكل عن اليمين حلف هو وأغرمه القيمة، فما وقع في أحكام ابن زياد من أن التوقيف يجب في الدار بالقفل، وتوقيف الغلة بشهادة الشاهد الواحد، يأتي هذا القول الثالث، وكذلك النفقة أيضا القياس فيها أن تجري على هذا الاختلاف؛ فعلى القول الأول لا يجب للمقضي عليه الرجوع بشيء من النفقة على المقضي له؛ لأنه إنما أنفق على ما ضمانه منه، وغلته له، وعلى القول الثاني: يجب له الرجوع عليه بما أنفق بعد ثبوت الحق بشهادة شاهدين، أو شاهد وامرأتين، لوجوب الضمان عليه، وكون الغلة له من حينئذ، وعلى القول الثالث: يجب له الرجوع عليه بما أنفق منذ وقف بشهادة الشاهد الواحد، لوجوب الضمان عليه، وكون الغلة له من حينئذ، وقد فرق في رسم حمل صبيا من سماع عيسى بعد هذا بين النفقة والضمان والغلة، فقال إن النفقة ممن تصير إليه، والغلة للذي هي في يديه؛ لأن الضمان منه، وساوى بين ذلك عيسى بن دينار من رأيه، وهو القياس وكذلك ظاهر ما في المدونة أنه فرق بين النفقة والغلة، والصواب ألا يفرق بينهما في أن يكونا جميعا تابعين للضمان، إما من يوم وجوب التوقيف بشهادة شاهد واحد، وإما من يوم وجوبه بشهادة شاهدين، وإما من يوم القضاء والحكم، وبالله التوفيق.

.مسألة يقر لرجلين بعبد يقول هو لكما غصبتكماه:

ومن كتاب أوله يوصي لمكاتبه:
قال: وسألت ابن القاسم عن الرجل يقر لرجلين بعبد يقول: هو لكما غصبتكماه أو غير غصب يقر لهما جميعا، فيدعيه كل واحد منهما خالصا دون صاحبه، فيقول هو لي خالص وأدخلت علي في عبدي من ليس له فيه شيء، وكلاهما يقول ذلك ولا بينة لواحد منهما، قال: يقال له: احلف أنك لا تعرفه لواحد منهما خالصا، فإن حلف برئ ولم يكن لهما عليه شيء، وصار الأمر بين هذين؛ ولأن كل واحد منهما يدعيه لنفسه خالصا، فيقال لكل واحد منهما: احلف أنه لك خالص، فإن حلفا جميعا على ذلك، كان العبد بينهما نصفين وإن نكل المقر الأول عن اليمين أنه ما يعرفه لأحدهما خالصا دون صاحبه، قيل لهذين اللذين ادعياه: يحلف كل واحد منكما لصاحبه أنه له خالص دون صاحبه، فإن حلفا كان على المقر الأول أن يغرم لهما قيمة العبد إذا نكل عن اليمين أنه لا يعرفه لواحد منهما دون صاحبه، فإذا غرم القيمة، كانت القيمة والعبد بينهما نصفين، وإن نكلا عن اليمن جميعا مع نكول المقر لهما لم يكن لهما إلا العبد بينهما وإن حلف أحدهما بعد نكول المقر ونكل صاحبه عن اليمين، كان العبد خالصا للذي حلف، ولم يكن على المقر الأول لهذا الذي نكل عن اليمين شيء؛ لأنه يقول: أقررت لك بشيء وقد جاء من استحقه من يديك بما هو أثبت من إقراري لك؛ قلت فإن أتى رجل لم يقر له بعد به، فادعاه والمسألة كما هي؛ قال: إن كان خليطا للمقر، حلف أنه ليس له، فإن حلف برئ. وإن نكل، قيل للمدعي: احلف، فإن حلف غرم له قيمة العبد، فإن لم يحلف فلا شيء له، وإن لم يكن خليطا، فلا يمين له عليه ولا شيء. قلت: وكيف أحلف للمقر لهما بعضهما لبعض- وهما ليسا خليطين، قال: وأي خلطة أبين من أن يكونا شريكين في العبد يدعيه. كل واحد منهما. قلت: وكذلك الدنانير والدراهم إذا أقر لرجلين بمائة دينار، فادعاها كل واحد منهما خالصة دون صاحبه، قال العمل على ما وصفت لك بينهما في العبد، قلت فلو كان المقر لهما بالعبد، ادعاه أحدهما خالصا دون صاحبه، وقال الآخر لا أدري إنما أقر لي بشيء فقبلته، ما أدري أهو لي أم لا؛ فقال: يقال له: احلف أنك ما تدري في الذي أقر لك به هذا أهو لك أم لا؛ فإن حلف، كان نصف العبد له، وقيل للمقر احلف أنك ما تعرفه لهذا الذي ادعاه خالصا فإن حلف برئ وكان العبد بينهما نصفين، وإن نكل، قيل لمدعيه خالصا احلف أنه لك خالصا. فإن حلف كان العبد بينه وبين الذي حلف، أنه ما يدري الذي أقر له أنه حق أم باطل، وكان على المقر أن يغرم لهذا نصف قيمة العبد، ولو نكل الذي قال لا أعرف ما أقر لي به هذا عن اليمين، حلف مدعيه وكان له العبد خالصا، ولم يكن على المقر يمين ولا قليل ولا كثير.
قال محمد بن رشد: إنما قال: إن المقر بالعبد لرجلين إذا ادعى كل واحد منهما أن العبد له خالص، يحلف المقر على العلم أنه ما يعرفه لأحدهما خالصا؛ لأن كل واحد منهما يدعي عليه أنه علم أن العبد له خالصا، فأقر بنصفه لصاحبه، وفوته بذلك عليه، فإن حلف أنه ما يعرفه لأحدهما خالصا، برئ وكانت الدعوى بينهما فيه، فإن حلفا جميعا أو نكلا جميعا، كان العبد بينهما؛ وإن حلف أحدهما ونكل الآخر عن اليمين، كان العبد للحالف منهما، وأما إن نكل المقر عن اليمين فقال في الرواية: إن المقر لهما يحلف كل واحد منهما أنه له خالص دون صاحبه، فإن حلفا على ذلك غرم المقر قيمة العبد، فكانت هي والعبد بينهما، والصواب أن يحلف كل واحد منهما أنه له خالص دون صاحبه، وأن المقر عالم بذلك؛ لأن الضمان لا يجب على المقر لكل واحد منهما، إلا بأن يعلم بأن العبد له خالصا فيقر به لهما جميعا، فلا يلزمه عزم قيمة العبد لهما بنكوله عن ذلك حتى يحلف المقر لهما على حكم المدعي والمدعى عليه في رجوع اليمين على المدعي إذا نكل عنها المدعى عليه، وقال: إنه إذا أتى رجل لم يقر له بعد به فادعاه، والمسألة على حالها- إن المقر يحلف أن كل خليط له- أنه ليس له، ظاهره أنه على البتات، والصواب أن يحلف على العلم- كما يحلف للمقر لهما، فيقول: بالله ما نعلمه له، فإن حلف برئ، وإن نكل عن اليمين حلف المدعى أنه له، وإن المقر علم بذلك؛ وحينئذ يغرم له قيمة العبد على ما بيناه، وهذا الذي ذكرناه كاف في بيان ما بقي من المسألة وقد قيل: إنه لا يمين على المقر بحال، وهو الذي يأتي على قول سحنون في نوازله من كتاب الاستلحاق في الذي يقر لثلاثة رجال فيقول هذا أخي، بل هذا أخي، فقف على ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة يقر للرجل بالعبد ثم يقر به لرجل آخر:

وسئل ابن القاسم عن الرجل يقر للرجل بالعبد ثم يقر به لرجل آخر، قال يكون العبد للذي أقر له به أولا، ويكون عليه للآخر قيمة العبد. قلت: ولا يكون عليهما يمين؛ قال: نعم.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم في هذه المسألة صحيح على قياس قوله في المسألة التي قبلها، فكل واحدة منهما مبينة لصاحبتها. وقوله: قال نعم، معناه لا يكون عليهما يمين؛ وذكر ابن أبي زيد في النوادر هذه المسألة فوصل بقوله: ولا يكون عليهما يمين، قال عيسى، لا أن يدعيه الثاني، فإن ادعاه فله اليمين على المقر له به أولا، فإن حلف فالعبد له وكان للثاني على المقر قيمته، وإن نكل المقر له أولا من اليمين، حلف المقر له آخرا وكان العبد له، ولم يكن على المقر شيء؛ وقول عيسى بن دينار تفسير لقول ابن القاسم، ويأتي على ما لسحنون في نوازله من كتاب الإستلحاق أنه لا شيء على المقر للثاني؛ لأنه إنما أقر له بما قد استحقه الأول بإقراره له به أولا، وبالله التوفيق.

.مسألة يأتيه رجلان فيقول هذه الوديعة والله لا أدري من دفعها إلي منكما:

وسئل عن الرجل تكون عنده وديعة مائة دينار، فيأتيه رجلان فيقول هذه الوديعة والله لا أدري من دفعها إلي منكما وتداعيانها جميعا، كل واحد منهما خالصا لنفسه، قال تقسم بينهما بعد أن يحلف كل واحد منهما أنها له، فإن حلف واحد ونكل الآخر، كانت للذي حلف ولم يكن للذي نكل قليل ولا كثير؛ قال: ولو كان قال في مائة دينار عليه دين: والله ما أدري أهي لفلان أو لفلان، فادعاها كلا الرجلين، حلفا وكان عليه لهما غرم مائتي دينار- مائة، مائة، وهو مخالف للوديعة؛ لأن الوديعة في أمانته، والدين في ذمته.
قال محمد بن رشد: قد قيل: إنه يلزمه في الوديعة أن يدفع مائة دينار لكل واحد منهما، وهو الذي يأتي على ما لابن القاسم في رسم القطعان من سماع عيسى من كتاب القراض؛ وقد قيل أيضا: إنه لا يلزمه في الدين إلا مائة واحدة تكون بينهما- إن حلفا أو نكلا، وهو الذي يأتي على أحد التأويلين في مسألة رسم البيوع من سماع أصبغ بعد هذا، وقد مضى ذكر ذلك في رسم يدير ماله من سماع عيسى من كتاب المديان والتفليس، لتكرار المسألة هناك، فيتحصل في جملة المسألة ثلاثة أقوال قولان في كل مسألة، وهذه التفرقة، وبالله التوفيق.

.مسألة يشتري الدابة فتستحق في يديه:

وسئل عن الرجل يشتري الدابة فتستحق في يديه، فيريد أن يطلب بها الثمن الذي اشتراها به، فيضع قيمتها فيخرج بها فيضيع الثمن وتهلك الدابة، قال: مصيبة الدابة من الذي خرج بها، ومصيبة الدنانير من الذي وضعت له الدنانير- وهو مستحق الدابة؛ قلت: فلو كان خرج بها فضاعت الدنانير وجاء بالدابة قد نقصت، قال يأخذ صاحب الدابة دابته وتكون مصيبة القيمة من الذي خرج بالدابة.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة بينة لا أعرف فيها نص خلاف، وهي على قياس ما في المدونة في ثمن الجارية المبيعة على المواضعة إذا وضع على يدي عدل فتلف، أن مصيبته ممن كان يصير إليه، فالخلاف الذي في ثمن الجارية الموضوع بيد عدل يدخل في هذه، فعلى القول بأنه من المبتاع إذا تلف، وإن خرجت الجارية سليمة من المواضعة ويلزمه ثمن آخر تكون مصيبة القيمة الموقوفة للمستحق إن تلفت من الذي وضعها على كل حال، ويلزمه قيمة أخرى إن تلفت الدابة قبل أن يردها إلى المستحق: ويتخرج في المسألة قول ثالث: أنه إن تلفت القيمة قبل أن تتلف الدابة، كانت مصيبتها من الذي وضعها، ويغرم للمستحق قيمة أخرى، وإن تلفت الدابة قبل، كانت مصيبة القيمة من الذي وضعت له، وهو مستحق الدابة، ومصيبة الدابة من الذي ذهب بها ووضع القيمة فيها، وبالله التوفيق.

.مسألة يقول للرجل المائة الدينار التي استودعتك:

وسئل عن الرجل يقول للرجل المائة الدينار التي استودعتك، فيقول له: ما استودعتنيها ولكن أعطيتنيها قراضا، وهذه مائة دينار ربحت فيها فلك منها خمسون، فيأبى أن يأخذ الخمسين، قال: إن أبى أن يأخذ الخمسين حبسها واستأنس سنين، لعله أن يأخذها، وإن أبى أن يأخذها تصدق بها، قيل له فإن مات فأحب ورثته أن يأخذوها؛ قال يأخذونها إن شاءوا- إذا أحب المقر أن يدفعها إليهم. قلت ولا يقضى عليه بدفعها إلى ورثته؛ قال لا يقضى عليه بدفعها إليهم.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة يتحصل فيها ثلاثة أقوال أحدها: أنه ليس له أن يأخذ الخمسين التي أقر له بها- إلا أن يكذب نفسه ويرجع إلى تصديقه، وهو الذي يأتي على ما لابن القاسم في كتاب الرهون من المدونة، وما لأشهب في كتاب إرخاء الستور منها، وهو أحد قولي سحنون، والثاني: أنه ليس له أن يأخذ الخمسين وإن رجع إلى تصديقه وكذب نفسه، إلا أن يشاء أن يدفعها إليه باختياره، وهو ظاهر قول ابن القاسم هاهنا فيه وفي ورثته إن مات ونص ما في سماع لم يدرك من سماع عيسى من كتاب النكاح. والثالث: أن له أن يأخذها وإن كان مقيما على الإنكار، وهو قول سحنون في نوازله من كتاب الاستحقاق، وإنما يكون له على القول بأن يأخذها إن كذب نفسه ورجع إلى تصديق صاحبه، ما لم يسبقه صاحبه بالرجوع إلى قوله وتكذيب نفسه؛ فتحصيل هذا القول أن من سبق منهما بالرجوع إلى قول صاحبه، كانت له الخمسون دون يمين، وبالله التوفيق.

.مسألة يقول عند الموت لفلان عندي عشرة دنانير ولي عليه خمسة:

ومن كتاب بع ولا نقصان عليه:
وعن الرجل يقول عند الموت: لفلان عندي عشرة دنانير ولي عليه خمسة، فأنكر الذي أقر له بالعشرة أن تكون عليه خمسة. قال يأخذ العشرة وعلى الورثة البينة في الخمسة أنها عليه، قيل: فلو قال: لفلان عشرة دنانير من مالي وصية، ولي عليه خمسة. فأنكره، قال لا يكون له إلا الخمسة؛ لأنه لم يوص له إلا بخمسة حين قال لي عليه خمسة، وكذلك قال مالك.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال، والفرق بين المسألتين بيّن؛ لأنه في المسألة الأولى مقر على نفسه له بعشرة، ومدع عليه بخمسة، فلزمه إقراره على نفسه بالعشرة ولم يصدق في الخمسة التي ادعاها إلا أن يقيم الورثة عليها، وفي المسألة الثانية: لم يوص له إلا بخمسة حين ذكر أن له عليه خمسة- كما قال مالك، وبالله التوفيق.